رياضة صفقة أيمن عبـد الـنــــور درس في صناعة النجوم !
تابع الجمهور الرياضي التونسي وأحباء النجم الرياضي الساحلي على وجه الخصوص عملية إلتحاق المدافع الدولي أيمن عبد النور بصفوف نادي موناكو الفرنسي، بعد أن كانت المفاوضات بين تولوز وموناكو بشأن هذه الزيجة قد انطلقت منذ الصائفة الماضية.
وقد أكد اللاعب أن صفقة انتقاله إلى فريقه الجديد بلغت 15 مليون أورو أي ما يعادل 34 مليون دينار تونسي، وهو مبلغ هام سيغنم النجم الساحلي من وراءه 10 % من إجمالي الصفقة حسب العقد الموقع بين فريق جوهرة الساحل وتولوز الفرنسي عند إتمامها في الصائفة القادمة.
الثابت أن مسؤولي النجم أكثر الناس سعادة بحصول هذه الصفقة التي ستدرّ عليهم مبلغا ماليا هاما، سيساهم حتما في إخراج الجمعية من عنق الزجاجة ويخفّف بعض الشيء من ديونها المتراكمة التي أثّرت على النتائج والأجواء بشكل لم يشهده الفريق من قبل.
وقد سبق للنجم الرياضي الساحلي أن استفاد من عمليات التفريط في العديد من اللاعبين وحقق أرقاماً ومداخيلا قياسية ساهمت في إنعاش خزينته ووجد فيها الحل لتوفير السيولة المالية الضرورية لتسيير شؤونه والإيفاء بالتزاماته.
لذلك أصبح التكوين القاعدي يكتسي اليوم لدى أكبر النوادي العالمية وأعرقها أهمية بالغة نظرا للأموال الطائلة التي باتت تغنمها من عائدات التفريط في اللاعبين، حتى أن هناك من الجمعيات من أصبحت تعيش اليوم على التكوين وبيع اللاعبين، وقد حدا ذلك بها إلى تعيين أكبر وأمهر الفنّيين على رأس الأصناف الشابة وعدم منح هذه المسؤولية الخطيرة إلى كلّ من هب ودب مثلما يحدث عندنا. بل أكثر من ذلك، أصبحت الاتحادات الكروية تعتمد أساسا على أصحاب الخبرة والتجربة عند اختيارها لمدرّبي المنتخبات الشابة.. ويكفي هنا العودة قليلا إلى الوراء وبالتحديد إلى نهائيات كأس العالم للناشئين التي احتضنتها دولة الإمارات العربية المتحدة في أواخر أكتوبر وبداية نوفمبر من السنة الماضية، لنلاحظ أن أعمار مدربي منتخبات أوروبا تتجاوز الخمسين على غرار مدرب النمسا هيرمان ستادلير (52 سنة) ومدرب كرواتيا إيفان جوديلي (53 سنة) ومدرب المنتخب السويدي رولاند لارسون (51 سنة) ودانييلي زوراتو مدرب المنتخب الإيطالي (52 سنة) وغيرهم من المدربين أصحاب الخبرة الذين يشرفون على الشبان في هذه المرحلة العمرية.
ولسائل أن يسأل هنا: لماذا تعتمد الكرة الأوروبية تحديدا على مدربين كبار للإشراف على أندية ومنتخبات الشباب؟
للإجابة عن هذا السؤال كان لابد من العودة لتصريح كان أدلى به «شون فيليمنج» مدرب المنتخب الكندي دون 17 سنة والذي تحدث في هذه النقطة بالذات خلال كأس العالم الأخيرة، حيث أوضح أنه يشعر بالسعادة عندما يتعامل مع لاعبين صغار في السن، لأنه يساهم في جعلهم نجوم المستقبل ولأنه يؤمن بأن مهمته تتمثّل في المساعدة على صناعة النجوم، وجعلهم ذخيرة قوية للأندية والمنتخبات. وأكد المدرب المذكور الذي قاد المنتخب الكندي للمرة الثانية على التوالي في مونديال الناشئين أنه نجح أن يجعل عديد من اللاعبين نجوما بالمنتخب الأول حاليا، وهذه نتيجة يسعد بها المدرب كثيرا عندما يساهم في تقديم وجوه جديدة من منتخبات الشبان إلى المنتخب الأول.
ولئن يرى البعض أن عامل السن ليس شرطا أساسيا لنجاح المدربين على رأس الأصناف الشابة باعتبار أن الأهم من ذلك هو أن يفهم ويتفهّم المدرب متطلبات اللاعبين النفسية والذهنية وكيفية التعامل معهم، وأن يكون مربيا قبل أن يكون ممرنا، فإن منطق الأشياء يفترض أن يتوفر لديه الحد الأدنى المطلوب من التجربة والخبرة وأن يتحلّى بالصبر وأن تكون له القدرة على التعامل مع اللاعبين على اختلاف تفكيرهم وسلوكياتهم.
وهذه الميزة أو لنقل العناصر الأساسية التي يفترض أن تتوفر عند الفنّيين الذين يشرفون على الأصناف الشابة لا تتوفر عادة إلا لدى المدربين الكبار في السن الذين يشعرون بسعادة كبيرة عندما يتعاملون مع لاعبين في هذه المرحلة، خصوصا وأن لديهم الصبر والهدوء في التعامل معهم، وهو ما يساعدهم على النجاح بشكل لافت للنظر على غرار ما يحدث في ألمانيا وهولندا وفرنسا...
لقد أجريت العديد من البحوث والدراسات في الكثير من الإتحادات الكروية حول الناشئين وطرق تكوينهم وكيفية إعدادهم وتأهيلهم، وشملت هذه الدراسات التي شارك فيها مختصون في مجال علم النفس والتربية والتغذية والتكوين، الجوانب النفسية والبدنية والذهنية والفنية لدى هذه الفئة العمرية ليقع انطلاقا من النتائج التي وقع التوصل إليها وضع الخطط المستقبلية والإستراتيجات المزمع اتباعها في التعامل مع هذه الفئة وتطوير طرق العمل. وقد وصل الأمر ببعض الإتحادات في بعض البلدان الأوروبية إلى حد الإستنجاد ليس فقط بالمدربين الكبار للتكوين والتدريب بل وأيضاً بكبار وأشهر الحكام الذين يقع تعيينهم بعد اعتزالهم لإدارة مباريات الشبان، هؤلاء الحكام زيادة على تأثير حضورهم الإيجابي على اللاعبين في المقابلات التي يعينون لإدارتها فإن مهمتهم تتجاوز ذلك بكثير، حيث يتولون تعليمهم القوانين الرياضية وإصلاح الأخطاء التي يرتكبونها فوق الملعب حتى تكون لديهم الثقافة القانونية الرياضية إلى جانب المهارات الفنية..
إن عودة الكرة التونسية إلى دائرة الأضواء قاريا وإقليميا ودوليا تتطلّب إعادة النظر في مسألة التكوين وتستوجب القيام بثورة حقيقية في أصناف الشبان التي تعاني الفاقة والحرمان، ثورة على الإهمال وعلى طرق العمل وطرق التكوين وعلى المشرفين وأشباه المدربين الذين يٌعينون بالأكتاف والصداقات والعلاقات على حساب أجيالنا ومستقبل كرتنا.
واليوم وإن كنا سعداء نفرح ونهلّل لأحتراف أحد لاعبينا بفريق أوروبي فإن ما نخشاه هو أن يكون هذا الجيل آخر العنقود في الكرة التونسية وأن يصبح المونديال بعيد المنال وقد لا نراه حتى في الأحلام إذا ما تواصلت اللامبالاة وبقيت دار لقمان على حالها.
بقلم: عادل بوهلال